رحلة "صنع في الصين 2025".. من التقليد الرديء إلى الابتكار والريادة

img

رحلة "صنع في الصين 2025".. من التقليد الرديء إلى الابتكار والريادة

عندما تسمع عبارة "صنع في الصين"، ما هي أول صورة تتبادر إلى ذهنك؟

عندما تسمع عبارة "صنع في الصين" فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك هو عمالة رخيصة وقطعَ غيارٍ تقليدية رديئة الجودة تُنتَج في مجمعات صناعية ضخمة لا يهمها سوى الكم لا الكيف. هذا الانطباع، وإن لم يكن مطلقاً، فقد رسخ لسنوات كونه تصنيفاً سهلاً للمنتجات الصينية منخفضة التكلفة في الأسواق العالمية.

ومع ذلك، لم يكن هذا الانطباع سوى فصلٍ واحدٍ في قصةٍ أكبر, فبعد عقود من الانغلاق فتح الزعيم الصيني السابق "Deng Xiaoping" أبواب الاقتصاد الصيني أمام العالم فانتقلت المصانع من التركيز على الصناعات الثقيلة إلى إنتاج السلع الاستهلاكية الرخيصة ثم بدأت مرحلة جديدة من الترقية النوعية مع ارتفاع الأجور وتصاعد المنافسة الدولية ودخول الصين إلى الأسواق التكنولوجية.

في عام 2015؛ أطلقت بكين مبادرة "صنع في الصين" (MIC 2025: Made In China 2025) لتكون نقطة التحول الكبرى من "مصنع العالم" إلى قوة صناعية تكنولوجية. تهدف هذه الرؤية الوطنية إلى ترسيخ الاكتفاء الذاتي التقني وتعزيز الابتكار والجودة ورفع قيمة السلع المصدرة، ليس كاستجابة لضغوط النمو فحسب بل كركيزة لاستراتيجية وطنية شاملة تنطلق منها الصين للريادة في الصناعات المتقدمة وحماية أمنها القومي.

لكن, كيف ترسّخ لدينا الانطباع بأن المنتجات الصينية رخيصة ورديئة خلال العقدين الأخيرين؟
ما دور تحول الصين من الصناعات الثقيلة في الثمانينيات إلى إنتاج السلع منخفضة التكلفة في ذلك؟
كيف مهدّت سياسات الزعيم الصيني السابق "Deng Xiaoping" بوابة الانفتاح والابتكار لتطوير سلاسل التوريد وخفض تكاليف الإنتاج؟
الذي دفع الصين في عام 2015 إلى إطلاق مبادرة "صنع في الصين 2025" كخطوة نوعية نحو الصناعات المتقدمة؟
وكيف استجابت القوى الصناعية الكبرى — الولايات المتحدة وأوروبا واليابان — لهذه الرؤية؟
كيف استفادت دول الشرق الأوسط من مبادرة "الحزام والطريق" لتعزيز استثماراتها الصناعية وتقليل الاعتماد على الموردين التقليديين؟
ما الاستراتيجيات التي اعتمدتها الصين ضمن خطتها MIC 2025 لتحسين جودة منتجاتها ورفع قدراتها الابتكارية؟
وكيف تشكل خطط "رؤية 2035" و"معايير الصين 2035" امتداداً واستكمالاً للمسيرة التي بدأتها بخطة MIC 2025 نحو ريادة صناعية وتكنولوجية بحلول عام 2049؟



China manufacturing picks up modestly - MarketWatch

(Credits: China manufacturing picks up modestly - MarketWatch)

لمحة تاريخية عن الصناعة الصينية في العقدين الماضيين

شهدت الصناعة الصينية تحولاً جذرياً على مدى العقدين الماضيين فبعد عقود من التركيز على الصناعات الثقيلة فقد تحول اهتمام الصين خلال فترة الإصلاح والانفتاح إلى الصناعات الخفيفة في الثمانينيات لتصبح مصدراً رئيسياً للمنتجات المصنعة منخفضة التكلفة, وقد ساهمت تكاليف العمالة المنخفضة والاقتصاديات الكبيرة وسلاسل التوريد المتطورة في نمو الصادرات الصينية بشكل كبير مما جعل الصين "مصنع العالم", ففي عام 2004 كانت حصة الصين من الناتج الصناعي العالمي أقل من 9% ولكن بحلول عام 2011 تجاوزت الصين الاتحاد الأوروبي لتصبح الرائدة عالمياً في التصنيع واستمر هذا الاتجاه حيث بلغت حصتها 29% في عام 2023. ومع ذلك، أدركت القيادة الصينية أن الاعتماد المفرط على نموذج التصنيع منخفض التكلفة لم يعد مستداماً فمع ارتفاع تكاليف العمالة وتزايد الطلب على منتجات ذات جودة وقيمة مضافة أعلى فقد كان لا بد من وضع رؤية جديدة للصناعة الصينية, وقد تفاقمت هذه الحاجة بسبب التوترات التجارية المتزايدة والمنافسة من الدول الصناعية الأخرى. ولذلك, أتت فكرة رؤية "صنع في الصين 2025".


What is Made in China 2025 and Why is the World So Nervous?

(Credits: What is Made in China 2025 and Why is the World So Nervous? China Briefing)

لماذا "صنع في الصين 2025"؟ دوافع الرؤية الطموحة

جاءت مبادرة "صنع في الصين 2025" في عام 2015 استجابة لعدة عوامل استراتيجية واقتصادية فقد أدركت الصين ضرورة الارتقاء بقدراتها التصنيعية للانتقال من إنتاج سلع منخفضة التقنية إلى صناعات ذات تقنية عالية وقيمة مضافة أكبر. كان الهدف هو تحقيق الاكتفاء الذاتي في التقنيات الأساسية وتقليل الاعتماد على الموردين الأجانب في الصناعات الحيوية كما سعت الصين إلى تعزيز الابتكار والجودة والكفاءة والاستدامة في جميع مراحل الإنتاج لمنافسة الدول الصناعية المتقدمة بشكل فعال, وقد استلهمت الصين هذه الخطة من مبادرات مماثلة في دول أخرى مثل ألمانيا (Industry 4.0) واليابان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي كانت تسعى لتعزيز قدرتها التنافسية التكنولوجية.


Can the G7 really build back the world better than China? - GZERO Media

(Credits: Can the G7 really build back the world better than China? - GZERO Media)

تأثير "صنع في الصين 2025" على الدول الصناعية الكبرى (G7)

أثارت خطة "صنع في الصين 2025" مخاوف كبيرة لدى الدول الصناعية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا واليابان بسبب طموحها لتحقيق الهيمنة في الصناعات التكنولوجية المتقدمة.

فالولايات المتحدة الأمريكية نظرت إلى خطة MIC 2025 على أنها تهديد مباشر لريادتها التكنولوجية والاقتصادية فقد أثارت الخطة مخاوف بشأن نقل التكنولوجيا القسري وسرقة الملكية الفكرية والإعانات الحكومية الضخمة التي تقدمها الصين لشركاتها المحلية مما قد يؤدي إلى تشويه المنافسة في الأسواق العالمية, وقد ردت الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية على السلع الصينية وتقييد بعض الشركات الصينية من الوصول إلى البنية التحتية الأمريكية بالإضافة إلى تشديد الرقابة على الاستثمارات الصينية في قطاعات التكنولوجيا الاستراتيجية, وقد ذهب وزير الدفاع الأمريكي إلى حد وصف الصين بأنها تمثل التهديد الأكبر للنظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه أمريكا، مشيراً إلى أن الصين لديها الإرادة والقدرة على إعادة تشكيل النظام العالمي بأكمله.

أما على الصعيد الأوروبي فقد أبدت أيضاً قلقها بشأن تأثير خطة MIC 2025 على صناعاتها وقدرتها التنافسية فقد رأت أن الخطة قد تؤدي إلى إزاحة الشركات الأوروبية من السوق الصينية وتعزيز الاعتماد على التكنولوجيا الصينية في بعض القطاعات الحيوية, وقد بدأت بعض الدول الأوروبية في تبني استراتيجيات صناعية أكثر حمائية لمواجهة التحديات التي تفرضها الخطة الصينية ومع ذلك ترى بعض الشركات الأوروبية أيضاً فرصاً للتعاون مع الصين في تنفيذ خطة MIC 2025 خاصة في المجالات التي تتمتع فيها أوروبا بخبرة وتقنية متقدمة, وقد أظهرت الإحصائيات أن الصين قد وسعت حصتها في واردات الاتحاد الأوروبي في السلع المصنعة المتطورة وهي القطاعات التي تتخصص فيها ألمانيا تقليدياً مما يشير إلى منافسة متزايدة.

أما في أقصى الشرق, فتعتبر اليابان من الدول التي قد تتأثر بشكل كبير بخطة MIC 2025 نظراً لاعتمادها الكبير على صادرات السلع عالية التقنية فقد تخشى اليابان من أن تؤدي الخطة الصينية إلى تآكل حصتها السوقية في قطاعات مثل الإلكترونيات والروبوتات وغيرها, وقد بدأت اليابان في اتخاذ بعض الإجراءات لمواجهة هذا التحدي مثل تعزيز الابتكار المحلي وتقوية تحالفاتها مع دول أخرى, وقد حذرت الصين اليابان من أن قيودها على تصدير الرقائق تهدد سلاسل التوريد العالمية مما يسلط الضوء على التنافس المتزايد في قطاع التكنولوجيا المتقدمة, وقد قامت اليابان بتوسيع قيود التصدير لتشمل الرقائق المتقدمة وتكنولوجيا الحوسبة الكمومية مما أثار تحذيرات من الصين بشأن التأثير السلبي على التجارة بين البلدين وعلى استقرار سلاسل التوريد العالمية.


(Credits: China in the Middle East: From oil to security – GIS Reports)

فرص الصين في الشرق الأوسط بديلاً لأمريكا

يشهد الشرق الأوسط تحولاً في العلاقات الدولية حيث تسعى دول المنطقة إلى تنويع شراكاتها وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة وقد وجدت الصين في هذا التحول فرصة لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في المنطقة. تعتبر الصين أكبر مستورد للنفط من الشرق الأوسط مما يجعل المنطقة ذات أهمية استراتيجية قصوى بالنسبة لأمن الطاقة الصيني وقد استثمرت الشركات الصينية بكثافة في مشاريع البنية التحتية في المنطقة في إطار مبادرة الحزام والطريق بما في ذلك الاتصالات وشبكات الجيل الخامس والكابلات البحرية كما لعبت الصين دوراً في الوساطة بين القوى الإقليمية المتنافسة مثل السعودية وإيران, مما عزز مكانتها كلاعب دبلوماسي مهم في المنطقة. وقد ارتفعت الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط في إطار مبادرة الحزام والطريق بشكل كبير لتصل إلى 39 مليار دولار في عام 2024 مما يجعل المنطقة أكبر مستفيد من هذا البرنامج.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى دول الشرق الأوسط إلى تطوير اقتصاداتها وتنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط, وتجد في الصين شريكاً جذاباً لتحقيق هذه الأهداف فالصين تقدم استثمارات كبيرة في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والبنية التحتية الرقمية دون فرض شروط سياسية وهو ما يفضله العديد من قادة المنطقة وبالفعل أصبحت الصين بالفعل أكبر شريك تجاري للعديد من دول الشرق الأوسط في القطاعات غير النفطية, شهدت الصادرات غير النفطية من السعودية إلى الصين نمواً كبيراً بنسبة 70% مما يعكس تعميق العلاقات التجارية بين البلدين, وتعد الإمارات العربية المتحدة والهند والصين من بين أهم الوجهات لصادرات المملكة العربية السعودية غير النفطية.


Get Ready for the Chinese New Year: TOP Products for Import from China -  DiFFreight Company Blog

(Credits: Get Ready for the Chinese New Year: TOP Products for Import from China DiFFreight Company Blog)

صعود الجودة والابتكار: تحول ملموس؟

أَوْلَتْ مبادرة "صنع في الصين 2025" اهتماماً خاصاً لتحسين جودة المنتجات المصنعة في الصين وذلك بهدف تعزيز قدرتها التنافسية على المستوى الدولي. تسعى الخطة إلى الارتقاء بالصين من موقع المنتج ذي التكلفة المنخفضة إلى منتج سلع عالية الجودة وذات قيمة مضافة قادرة على منافسة الدول الصناعية المتقدمة مثل كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا. لتحقيق هذا الهدف، تم تبني العديد من الاستراتيجيات التي تركز على الابتكار التكنولوجي والتصنيع الذكي حيث يتم دمج الإنترنت وأجهزة الاستشعار اللاسلكية والروبوتات لتحسين كفاءة التصنيع وجودته وإنتاجيته, كما تولي الخطة أهمية كبيرة لتوحيد الممارسات والمعايير في مختلف الصناعات, وإدخال أنظمة اختبار وشهادات لضمان مطابقة المنتجات للمعايير الدولية في جميع القطاعات الرئيسية من براءات الاختراع الطبية إلى كفاءة استهلاك الوقود. بالإضافة إلى ذلك، تهدف الخطة إلى تطوير الوعي بالعلامات التجارية الصينية وتشجيع الشركات على تبني ثقافة الجودة والتحسين المستمر, وقد ارتفع مؤشر القدرة التنافسية للجودة التصنيعية في الصين إلى 85.6 في عام 2024 مما يدل على التحسين المستمر في جودة التصنيع.

وقد بدأت الصناعات الصينية بالفعل في إظهار تقدم ملحوظ في مجالات الجودة والابتكار في السنوات الأخيرة فقد شهدت الصين مؤخراً نمواً سريعاً في القدرات الابتكارية في قطاعات مثل الروبوتات والطاقة النووية والمركبات الكهربائية والأدوية الحيوية والذكاء الاصطناعي, كما حققت العلامات التجارية الصينية خطوات كبيرة في تحسين معايير الجودة والانتشار في الأسواق العالمية مما يعكس تحسناً في جودة المنتجات وثقة المستهلكين في هذه العلامات. إن هذا التركيز المتزايد على الابتكار والتصنيع الذكي يشير إلى تحول استراتيجي نحو إنتاج سلع ذات قيمة تقنية أعلى يصعب تقليدها.

لعب الاستثمار الضخم في البحث والتطوير دوراً حاسماً في دفع هذا التحول فالصين تستثمر بكثافة في البحث والتطوير بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في التقنيات الرئيسية ودفع عجلة الابتكار وتقدم الحكومة الصينية دعماً مالياً كبيراً للشركات المحلية من خلال الإعانات والقروض ذات الفائدة المنخفضة والإعفاءات الضريبية لتشجيع الابتكار وتطوير التقنيات المتقدمة كما تشجع السياسات الحكومية على عمليات الدمج والاستحواذ على شركات التكنولوجيا الأجنبية ونقل التكنولوجيا إلى الصين. إن هذه الزيادة الهائلة في الإنفاق على البحث والتطوير تعكس التزاماً وطنياً بتحقيق الريادة التكنولوجية وتقليل الاعتماد على الخارج, وقد تجاوز إنفاق الصين على البحث والتطوير 3.6 تريليون يوان في عام 2024، بزيادة قدرها 8.3% عن عام 2023، مما يضعها في المرتبة الثانية عالمياً في هذا المجال.

وقد ظهرت بالفعل أدلة ملموسة على التقدم الذي أحرزته الصين في القطاعات الرئيسية المستهدفة فقد أصبحت الصين رائدة عالمياً في بعض الصناعات التحويلية الناشئة مثل الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية والطائرات بدون طيار بالإضافة إلى الصناعات الثقيلة مثل بناء السفن والسكك الحديدية فائقة السرعة, كما حققت الصين نمواً كبيراً في مجال الذكاء الاصطناعي حيث تهدف الصين إلى أن يصبح الذكاء الاصطناعي محركاً أساسياً للتحول الاقتصادي بحلول عام 2025, وتجاوزت مبيعات سيارات الطاقة الجديدة (NEVs) في الصين مبيعات السيارات التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري لخمسة أشهر متتالية في عام 2024 مما يدل على تبني المستهلكين للتقنيات الجديدة. إن هذا النجاح في قطاعات مثل المركبات الكهربائية والسكك الحديدية فائقة السرعة يدل على قدرة الصين على تحقيق أهدافها في المجالات التي أولتها اهتماماً خاصاً, وقد حققت الصين إنجازات ملحوظة في مجالات أخرى مثل الحوسبة الكمومية حيث طورت معالجات كمومية متقدمة وفي مجال استكشاف الفضاء بالإضافة إلى تطوير شبكات الجيل الخامس المتقدمة.

وقد شهد قطاع السيارات الكهربائية الصيني تطوراً ملحوظاً حيث أصبحت الصين متقدمة على العالم في هذا المجال فبينما كانت الشركات الصينية تسعى في الماضي للتعلم من الأوروبيين صناعة السيارات فقد أصبح الوضع معكوساً اليوم فالشركات الألمانية تسعى للدخول في مشاريع مشتركة مع نظيراتها الصينية لاكتساب أحدث التقنيات في صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية، التي تعتبر الأكثر تطوراً في العالم, وقد تجلى هذا التحول في الشراكة التي أبرمتها BMW مع شركة Alibaba الصينية لتطوير برمجيات القيادة الذكية باستخدام الذكاء الاصطناعي وهدف الألمان من هذه الشراكة هو محاولة اللحاق بالشركات الصينية في هذا المجال. كما دخلت Mercedes في شراكة مع Huawei في سياراتها بدءاً من عام 2026 بهدف اللحاق بالشركات الصينية الرائدة في مجال البرمجيات وتكنولوجيا البطاريات. ونتيجة لهذا التحول، انخفضت حصة الشركات الأجنبية في سوق السيارات الصيني إلى أدنى مستوى لها تاريخياً في أوائل عام 2025 حيث بلغت 31% فقط.

يوضح الجدول التالي الزيادة الكبيرة في إنفاق الصين على البحث والتطوير في قطاع الصناعات التحويلية على مر السنين:

جدول 1: إنفاق الصين على البحث والتطوير في قطاع الصناعات التحويلية (مليار يوان)

السنة الإنفاق (مليار يوان)
2015 1200.7
2016 1257.3
2017 1345.7
2018 1422.2
2019 1457.4
2020 1478.38
2021 1691.43

هذا الجدول يبرز بشكل واضح الالتزام المتزايد للصين بتعزيز الابتكار والجودة في قطاع الصناعات التحويلية من خلال الاستثمار المكثف في البحث والتطوير.



Clément Renaud | Shanzhai Archeology

(Credits: Clément Renaud | Shanzhai Archeology)

من "Shanzhai" إلى التطور: تطور تصورات المستهلكين العالميين

تاريخياً, كانت المنتجات الصينية غالباً ما تُنظَر إليها على أنها ذات جودة رديئة مقارنة بمنتجات الدول الأخرى وهو تصور يعود جزئياً إلى تركيز الصين المبكر على إنتاج سلع منخفضة التكلفة بكميات كبيرة. وحتى وقت قريب، أظهرت استطلاعات الرأي أن نسبة كبيرة من المستهلكين العالميين، خاصة في الغرب، ما زالت تربط المنتجات الصينية بالجودة المنخفضة؛ فقد أشار استطلاع أُجري عام 2023 إلى أن 62% من المستهلكين الغربيين ما زالوا يحملون هذا التصور.

ومع ذلك، شهدت قدرات التصنيع في الصين تطوراً هائلاً في السنوات الأخيرة فقد أصبحت العديد من العلامات التجارية العالمية المرموقة مثل Apple و Tesla و Armani تعتمد على الصين في إنتاج منتجاتها عالية الجودة مما يدل على أن الصين قادرة على تلبية أعلى معايير الجودة عند توفر المواصفات الدقيقة وتطبيق إجراءات مراقبة الجودة الفعالة. هذا الواقع الجديد يتناقض بشكل صارخ مع التصور التاريخي للسلع الصينية الرخيصة والرديئة فلم يعد التصنيع الصيني مقتصراً على إنتاج سلع منخفضة التكلفة بكميات كبيرة بل يشمل الآن إنتاج منتجات مبتكرة وعالية التقنية في مختلف القطاعات.

وقد شهدت العديد من العلامات التجارية الصينية تحولاً كبيراً في صورتها حيث أصبحت مرتبطة بالابتكار والموضة والحداثة واكتسبت ثقة المستهلكين على الصعيدين المحلي والدولي, بل إن المستهلكين الصينيين أنفسهم أصبحوا يفضلون المنتجات الصينية ويعتبرونها رمزاً للثقة والجودة العالية والقيمة مقابل المال, كما أن صعود ما يعرف بـ "Guochao" (موضة الصين) يعكس ثقة المستهلكين الصينيين المتزايدة في الثقافة الصينية ومنتجاتها ويشير إلى تحول في القيم والولاء للعلامات التجارية المحلية. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن المستهلكين الصينيين يركزون بشكل متزايد على القيمة والجودة، ويبدون استعداداً لدفع علاوة مقابل المنتجات المستدامة والصديقة للبيئة.

وقد ساهم اكتساب العلامات التجارية الصينية اعترافاً دولياً في تغيير الصورة النمطية السلبية للمنتجات الصينية فقد حققت علامات تجارية مثل Lenovo و DJI و Xiaomi شهرة عالمية بفضل جودة منتجاتها في قطاع الإلكترونيات الاستهلاكية كما أن العلامات التجارية الصينية تتوسع بسرعة في اقتصادات الجنوب العالمي حيث زادت مبيعاتها أربعة أضعاف بين عامي 2016 و 2024, وقد ظهرت خمسون علامة تجارية صينية في تصنيف World Brand Lab لأكثر 500 علامة تجارية نفوذاً في العالم لعام 2024 و 69 علامة في تقرير Brand Finance Global 500 لعام 2025.

يلخص الجدول التالي بعض الدراسات الاستقصائية والتقارير الرئيسية التي تشير إلى التحول في مواقف المستهلكين تجاه المنتجات الصينية:

جدول 2: ملخص الدراسات الاستقصائية والتقارير حول تصورات المستهلكين للمنتجات الصينية

المصدر السنة النتائج الرئيسية
Statista 2023 62% من المستهلكين الغربيين يربطون
المنتجات الصينية بالجودة المنخفضة.
World Brand Lab
2024 50 علامة تجارية صينية ضمن أكثر 500 علامة
تجارية نفوذاً في العالم.
Brand Finance
2025 69 علامة تجارية صينية ضمن
أفضل 500 علامة تجارية عالمية.
PWC
2023 المستهلكون الصينيون يركزون على القيمة والجودة، ويظهرون
استعداداً لدفع علاوة مقابل المنتجات المستدامة والصديقة للبيئة.
Mintel
2023 المستهلكون الصينيون يعودون إلى النزعة البراغماتية الرشيدة
في الاستهلاك ويركزون على القيمة المضافة للمنتجات.
China Daily
2025 المستهلكون الصينيون يتبنون الابتكار ويدعمون المنتجات التي
تعكس الثقافة الصينية ويظهرون اهتماماً بالمنتجات العالمية.

تشير هذه البيانات إلى وجود تحول تدريجي في تصورات المستهلكين حيث بدأت العلامات التجارية الصينية في اكتساب المزيد من الثقة والاعتراف بجودتها وابتكارها على المستوى العالمي.



China readies to 'fight to the end' against Trump's tariff, Europe plans  counterattack | World News - Hindustan Times

(Credits: China readies to 'fight to the end' against Trump's tariff, Europe plans counterattack Hindustan Times)

دوافع الحذر الأمريكي: التعرفة الجمركية والحرب التكنولوجية

تتخذ الولايات المتحدة موقفاً حذراً تجاه صعود الصين التجاري والتكنولوجي مدفوعة بعدة عوامل استراتيجية واقتصادية. ترى واشنطن أن خطة "صنع في الصين 2025" تمثل تهديداً لريادتها في الصناعات المتقدمة وتسعى إلى الحد من تأثيرها من خلال أدوات مختلفة.

أحد أبرز هذه الأدوات هو استخدام التعرفة الجمركية ففي عام 2018 بدأ الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على مجموعة واسعة من السلع الصينية بهدف معلن هو معالجة ما اعتبره ممارسات تجارية غير عادلة من جانب الصين بما في ذلك سرقة الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا القسري, وقد وصلت هذه التعريفات إلى مستويات عالية حيث رفعت الولايات المتحدة الرسوم على بعض الواردات الصينية إلى 145% وردت الصين بتعريفات مماثلة على البضائع الأمريكية. على الرغم من توقيع "المرحلة الأولى" من الاتفاق التجاري بين البلدين في عام 2020، إلا أن العديد من هذه التعريفات لا تزال سارية المفعول حتى اليوم، مما يعكس استمرار التوترات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.

بالإضافة إلى التعرفة الجمركية فقد شنت الولايات المتحدة حملة مكثفة ضد شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة وعلى رأسها Huawei فمنذ عام 2019 فرضت واشنطن قيوداً صارمة على تعامل الشركات الأمريكية معها بدعوى وجود مخاوف تتعلق بالأمن القومي وإمكانية استخدام معدات الشركة الصينية للتجسس من قبل الحكومة الصينية, وقد امتدت هذه القيود لتشمل منعها من الوصول إلى بعض التقنيات الأمريكية الحيوية مما أثر بشكل كبير على قدرة الشركة على إنتاج هواتفها الذكية ومعدات الاتصالات.

وفي تطور مماثل، تصاعدت المخاوف الأمريكية بشأن تطبيق TikTok المملوك لشركة Bytedance الصينية حيث يخشى المسؤولون الأمريكيون من إمكانية وصول الحكومة الصينية إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين أو استخدام التطبيق لنشر الدعاية والمعلومات المضللة. وقد أقر الكونغرس الأمريكي قانوناً عام 2024 يجبر الشركة المالكة للتطبيق على بيعه لشركة أمريكية أو مواجهة حظر كامل للتطبيق في الولايات المتحدة مما يعكس عمق القلق الأمريكي بشأن النفوذ الصيني في مجال التكنولوجيا الرقمية.


Analysis: Xi Jinping's plan to rule for life is coming together - Nikkei  Asia

(Credits: Analysis: Xi Jinping's plan to rule for life is coming together Nikkei Asia)

خطط الصين لما بعد 2025: رؤية 2035

بحلول عام 2035، تطمح بكين إلى ترسيخ موقعها كقوة صناعية مهيمنة ذات قدرة ابتكارية عالية ومؤثرة في صياغة المعايير العالمية للتقنيات الناشئة. تنبثق هذه الرؤية من “الخطة الخمسية الرابعة عشرة” (2021–2025) التي حددت أهدافاً طموحة مثل مضاعفة حجم الاقتصاد مقارنة بعام 2020، ورفع نسبة الإنفاق على البحث والتطوير إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة حصة القطاعات عالية التقنية في إجمالي الصادرات إلى ما يقارب 15%.

في إطار “معايير الصين 2035” تعمل الصين على:
بناء منظومة وطنية للمعايير بالتعاون مع منظمات عالمية مثل ISO وITU، مع التركيز على شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والبلوك تشين والطاقة المتجددة.
تطوير بنية تحتية رقمية متكاملة عبر إنشاء أكثر من 1,000 مصنع ذكي وشبكات "إنترنت الأشياء الصناعي IoT" لرفع كفاءة المصانع بنسبة 30–50%.
إطلاق أكبر خمسة مختبرات وطنية في مجال الحوسبة الكمومية ومعالجة اللغة الطبيعية والروبوتات المتقدمة بهدف تسجيل أكثر من 50,000 براءة اختراع سنوياً في هذه القطاعات.
تعزيز التكامل البيئي – الصناعي من خلال اعتماد "المصانع الخضراء" وتقنيات التقاط الكربون لترشيد استهلاك الطاقة وخفض الانبعاثات بنسبة 20% في الصناعات الثقيلة.

يكتسب هذا التوجه زخماً إضافياً عبر مبادرات "الحزام والطريق الرقمي" التي تُنفَّذ بالتوازي لفتح أسواق جديدة للصناعات الصينية المتطورة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، مع تقديم حزم تمويل ميسرة وحوافز للالتزام بالمعايير الصينية في المشاريع المشتركة.



Now Hear This—The Clock is Ticking in China: The Decade of Concern Has  Begun | Proceedings - October 2017 Vol. 143/10/1,376

(Credits: Now Hear This — The Clock is Ticking in China: The Decade of Concern Has Begun U.S. Naval Institute)

الهدف الأبعد: الصين قوة عظمى بحلول عام 2049

تُعدّ "صنع في الصين 2025" و "رؤية 2035" الخطوتين الأولى والثانية في استراتيجية ثلاثية تتكامل لتتويج الصين قوة صناعية وتقنية عظمى بحلول عام 2049، الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وتتمثل مظاهر هذا التحول النهائي في:
الريادة العالمية في التقنيات الاستراتيجية (معالجات نفيديا مصنعة محلياً، شبكات 6G، وأجهزة استشعار الجيل القادم)، مع تحقيق الاكتفاء الذاتي التقني في أكثر من 90% من المكونات الحرجة.
وجود 100 علامة تجارية صينية ضمن قائمة "Global 500" للأكثر تأثيراً في العالم مع ظهور صناعات وطنية تنافس "وادي السيليكون Silicon Valley" في مجال التكنولوجيا والابتكار.
نسبة صناعات القيمة المضافة العالية تمثل أكثر من 40% من الناتج الصناعي الإجمالي, مقابل 25% حالياً، تعكس انتقالاً تاماً من "كمية التصنيع" إلى "جودة الابتكار".
هيمنة على سلاسل التوريد العالمية في قطاعات مثل البطاريات المتقدمة والمركبات الكهربائية والطاقة الشمسية، مع شبكة لوجستية متكاملة تدعم التصدير بأقل كلفة زمنية وترجمية.

بهذه الصورة، لن يكون ملصق "صنع في الصين" دليلاً على منتجٍ رخيص فقط بل علامة على تكنولوجيا متطورة وجودة عالمية تتوج مسيرة الاستفادة من العمالة المنخفضة نحو وضع معايير جديدة لصناعة الغد.


Is There a Future for Manufacturing in China?

(Credits: Is There a Future for Manufacturing in China? QualityInspection.org)

إعادة تشكيل "صنع في الصين"

لم تكن مبادرة "صنع في الصين 2025" مجرد خطة نظرية بل حصيلة استراتيجية محكمة أتاحت للصين إحراز قفزات نوعية في عشرة قطاعات رئيسية، من الروبوتات والذكاء الاصطناعي إلى المركبات الكهربائية والطاقة المتجددة. لقد ترجم الاستثمار السنوي المتزايد في البحث والتطوير — الذي بلغ أكثر من 3.6 تريليون يوان في 2024 — والإعانات الحكومية الموجهة والبيئة التنظيمية الداعمة إلى شبكة من الشركات الصينية العالمية الصاعدة، مثل DJI وHuawei وBYD، التي نجحت في كسر احتكار التكنولوجيا الغربية وفرض معاييرها الدولية في مختلف الصناعات.

ومع تلاشي الصورة النمطية القديمة عن المنتجات الصينية الرخيصة، بات ملصق "صنع في الصين Made In China" اليوم علامةً على الابتكار والجودة، وقد نالت العلامات التجارية المحلية ثقة المستهلكين العالميين من خلال الالتزام الصارم بمعايير الاختبار العالمية ونُظم التصنيع الذكي الصديقة للبيئة. وعلى الرغم من أن بعض التصورات السلبية لا تزال قائمة لدى شريحة من العملاء، فإن البيانات تظهر بوضوح تراجعها أمام حصة الصينيين المتزايدة في سوق السيارات الكهربائية وارتفاع عدد براءات الاختراع الصينية المسجلة دولياً بنسبة تفوق 20% سنوياً.

يتجه المستقبل الصناعي الصيني نحو التكامل العميق بين التكنولوجيا والبيئة والاستدامة؛ فالصين لا تسعى فقط لأن تكون رائدة في القيمة المضافة العالية بل أيضاً نموذجاً للتصنيع الأخضر عبر مصانع قادرة على خفض الانبعاثات بأكثر من 20% بحلول منتصف العقد المقبل. وبخطوات طموحة تتجاوز "رؤية 2035" إلى تحقيق "التجديد العظيم للأمة" عام 2049، ستواصل الصين إعادة تعريف دورها في الاقتصاد العالمي، ليس كـ "مصنع للعالم" فحسب بل كقيادة فكرية وتقنية تشكل معالم صناعات الغد وتؤثر في حياة الملايين حول الكوكب.



المصادر:

التعليقات

القائمة الرئيسية