حظر TikTok في أمريكا .. انتصار لتعزيز الخصوصية الشاملة, أم أكثر من ذلك؟

img

حظر TikTok في أمريكا .. انتصار لتعزيز الخصوصية الشاملة, أم أكثر من ذلك؟

في منتصف مارس 2024، تم إقرار مشروع قانون يعرف بـ "قانون حماية الأمريكيين من التطبيقات الخاضعة للرقابة من قبل الخصوم الأجانب"، من قبل لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب الأمريكي. وفي الشهر نفسه، تمت الموافقة عليه بأغلبية ساحقة في مجلس النواب. يقضي هذا القانون بإجبار شركة ByteDance الصينية، المالكة لتطبيق TikTok على فصل أنشطتها عن التطبيق وذلك تحت طائلة حظره قانونياً في الولايات المتحدة وإزالته من متاجر تطبيقات Apple و Google من السوق الأمريكي.

مؤخراً, وبعد أن وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن على مشروع القانون بعد أن نجح المشرعون في تمريره إلى مجلس الشيوخ والنواب, فإن ذلك سيؤدي إلى حظر التطبيق في الولايات المتحدة إذا لم تقم الشركة المالكة للتطبيق ببيعه إلى شركة أمريكية خلال 270 يوماً. ورغم ذلك فيمكن للرئيس الأمريكي وفقاً للدستور أن يمدد الموعد النهائي إلى عام آخر إذا رأى أن الفترة الممنوحة ليست كافية لإتمام عملية بيع تطبيق رئيسي مثل TikTok من قبل جميع الهيئات التنظيمية. إلى جانب ذلك, تقول الشركة المالكة للتطبيق ByteDance إنها لا تنوي بيع منصة التواصل الاجتماعي وتعهدت بتحدي التشريع الأمريكي في المحكمة.

لكن لماذا كل هذا الزخم على تطبيق للهواتف الذكية؟ وهل يقتصر ذلك فقط على كونه تطبيقاً مملوكاً لشركة صينية تتبع القانون الصيني؟

هل كان دونالد ترامب, الرئيس السابق للولايات المتحدة منذ 2017 إلى 2021 والذي أشعل موجة حرب تجاه التطبيقات والشركات الصينية مثل Huawei عام 2019, قد تنبأ لخطر محدق حول التأثير الصيني على أكثر القطاعات حيويةَ وهو قطاع تكنولوجيا المعلومات؟ أم أن الأمر كله مجرد عوائق لوجستية ومعلوماتية للحيلولة دون منافسة القطاع الصيني الضخم في الأسواق الأمريكية والعالمية؟

ما الذي يعنيه تهديد تطبيق لإنشاء المحتوى المرئي لاقتصاد وسياسة دولة كبيرة اقتصادياً وسياسياً بحجم الولايات المتحدة؟ وهل يشعر المشرعون الأمريكيون بالقلق بسبب عدم خضوع خوارزميات وخوادم التخزين الخاصة بهذا التطبيق للرقابة الأمريكية؟

هل ينبغي لنا أن نشعر بالقلق بسبب امتلاك تطبيق صيني لمعلوماتنا وما يمكن أن يترتب عنه من تأثير؟ وهل هذه الهجمة على TikTok ومن ورائها Huawei تشير إلى تغيير في موازين القوى العالمية في مجال التكنولوجيا؟ لماذا لا نقلق بنفس الدرجة على معلوماتنا المخزنة على خوادم شركات أوروبية وأمريكية؟



بعد إقرار مشروع قانون الحظر, حشد التطبيق قرابة 170 مليون مستخدم أمريكي بقوة ضد التشريع للإعراب عن معارضتهم على المشروع محذراً إياهم من إمكانية حظر التطبيق في البلاد, وجاء في منشور صادر عن التطبيق: "يعتزم الكونغرس فرض حظر كامل على TikTok وكان هناك أيقونة على الشاشة للاتصال المباشر بأعضاء الكونغرس الأمريكي الذين يمثلون الدوائر الانتخابية الخاصة بالمستخدمين وقد تعرض مكتب أحد النواب لكم هائل من الاتصالات مما أجبر الموظفين على إغلاق الهواتف".

أثار العديد من الأمريكيين الذين يستخدمون التطبيق، البالغ عددهم حوالي 170 مليوناً، مخاوف من أن حظر TikTok قد يعني التخلص من منصة تمثل أكثر بكثير من مجرد منصة يمكن للشباب من خلالها متابعة آخر التحديثات حول أميرة ويلز. يمثل التطبيق بالنسبة للكثير من الشباب الأمريكي المكان الذي يذهبون إليه للتواصل والترفيه والبحث عن المعلومات وكسب لقمة العيش وتحقيق الدخل.

يشار إلى أن هناك مخاوف في الولايات المتحدة وأوروبا من إمكانية إساءة استخدام التطبيق من قبل السلطات الصينية بغرض جمع معلومات حول المستخدمين وتسليمها إلى الحزب الشيوعي الصيني, إضافةً إلى مخاوف مزعومة من أن يستغل التطبيق شهرته الواسعة لنشر الدعاية للمستخدمين خاصةً الفئة العمرية الشابة والقابلة للتأثر.

ولذلك, حظرت حكومات العديد من الدول وكذلك المفوضية الأوروبية استخدام TikTok على الهواتف الحكومية, وترفض شركة ByteDance هذه المخاوف مشددةً أنها لا تعتبر نفسها شركة صينية, مصرحةً بأن 60% من الشركة عائد بالفعل إلى مستثمرين غربيين وأن مقر الشركة يقع في جزر كايمان في منطقة البحر الكاريبي, فيما يرى النقاد أن المؤسسين الصينيين بحصتهم البالغة 20% يتمتعون بالسيطرة على الشركة بفضل حقوق التصويت الأعلى وأن للشركة مقر كبير في العاصمة الصينية بكين.

في وقت سابق من العام 2020, أمر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بحظر التنزيلات الجديدة للتطبيق واصفاً إياها بأنها تهديد للأمن القومي, وقدم اقتراحاً أن يجعل مجموعتا Oracle و Walmart بتشكيل كيان يتحمل مسؤولية التعامل مع بيانات المستخدمين وتعديل المحتوى, لكن خطته فشلت لأن المحاكم الأمريكية قضت بأن حظر التطبيق ينتهك حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور الأمريكي.

وعلى عكس المتوقع فقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في منتصف شهر مارس 2024 أنه يعارض حظر التطبيق في الولايات المتحدة بخلاف الرئيس الحالي جو بايدن وبخلاف توجهاته السابقة عندما كان في الرئاسة في أغسطس 2020 مشيراً في ذلك الوقت بأن التطبيق يهدد الأمن القومي *, وبرر ذلك في حديث لشبكة CNBC America أن المزعج في الأمر هو أن في حالة غياب TikTok فسيتعزز نمو Facebook وتطبيقاته التابعة له مثل Instagram وهذا بالنسبة له "عدو للشعب, تماماً مثل وسائل إعلام أخرى".

يشير ترامب إلى أن هناك منصات أخرى متاحة لمستخدمي التطبيق فقد أمضت كل شركة من شركات وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى تقريباً السنوات العديدة الماضية في محاولة تقليد الصيغة الشائعة للتطبيق من مقاطع الفيديو السريعة والقصيرة جنباً إلى جنب مع خوارزمية توصية قوية تحافظ على بقاء المستخدمين على المنصة, مثل Reels في إنستغرام و Shorts في YouTube و Videos في Facebook و Status في WhatsApp و Snapchat وغيرها.

في السياق ذاته, تحدثت وسائل إعلام أمريكية عن صلاتٍ بين الرئيس السابق ترامب ورجل الأعمال "جيف ياس", الممول الرئيسي لمرشحين جمهوريين والذي تمتلك شركته الاستثمارية "Susquehanna International Group" حصة كبيرة في رأسمال  TikTok, ووفقاً لصحيفة New York Post فإن لقاءً حدث بين ترامب وجيف مهدداً بوقف تمويل مرشحين جمهوريين إذا تم إقرار مشروع القانون, وقد نفى ترامب أن يكون قد تطرق إلى الموضوع هذا مع جيف ياس.

وفي داخل أروقة حزب الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن الديمقراطي, ينقسم الديمقراطيون بشأن التطبيق: فمن ناحية, يريد الرئيس اتخاذ موقف صارم تجاه الصين ممثلة بالشركات العالمية حفاظاً على الأمن القومي والمعلوماتي, لكن من ناحية أخرى يصطدم بشعبية التطبيق الهائلة بين المستخدمين ذوي الفئة العمرية الشابة الذي يحتاج بايدن إلى أصواتهم لإعادة انتخابه في نوفمبر 2024 المقبل. من أجل ذلك, قام قادة إدارة حملة إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن بإنشاء حساب على التطبيق ليكونوا على تواصل مباشر مع الناخبين الأمريكيين.

على الرغم من التشريع الحالي, والذي تم إقراره بتوقيع الرئيس جو بايدن, فإن الشركة المالكة للتطبيق تقول أنها واثقة من أنها ستكون قادرة على الادعاء بأن مشروع القانون ينتهك التعديل الأول, قائلة: "الحقيقة هي أننا استثمرنا مليارات الدولارات للحفاظ على البيانات الأمريكية آمنة ومنصتنا خالية من التأثير والتلاعب الخارجي لكن المشرعين الأمريكيين لا يصدقون ذلك", وتعقيباً على ذلك فقد قال السيناتور الأمريكي ماركو روبيو, كبير الجمهوريين في لجنة الاستخبارات من فلوريدا, أنه على مدى سنوات سمحنا للحزب الشيوعي الصيني بالسيطرة على أحد التطبيقات الأكثر شعبية في أمريكا وكان ذلك قصراً للنظر بشكل خطير وسيلزم مشروع القانون الشركة الصينية ببيع التطبيق.



أمريكا ليست الأولى التي تحظر التطبيق.

المعروف أن التطبيق يحظى بشعبية عالمية خصوصاً خلال انتشار فيروس كورونا مطلع العام 2020 وكان التطبيق أحد أكثر التطبيقات شعبية في الهند بقاعدة متنامية تضم قرابة 200 مليون مستخدم بمختلف الثقافات فاسحاً المجال لظهور المبدعين والمؤثرين, حتى حظره هناك أواخر يونيو من العام 2020 بسبب التوترات المتصاعدة على الحدود بين الهند والصين التي تحولت إلى أعمال عنف مميتة فبعيد وقوع مناوشات حدودية حظرت الحكومة الهندية التطبيق في 29 يونيو 2020 ليختفي التطبيق بين عشية وضحاها وينقطع الوصول إليه في الهند بالرغم من أن المحتوى المرئي لا يزال موجوداً على التطبيق.

ليست الهند وحدها التي اتخذت هذه الخطوة, ففي شهر نوفمبر من العام 2023 اتخذت دولة نيبال قراراً بحظر التطبيق ونفذت باكستان عدداً من عمليات الحظر المؤقتة منذ عام 2020, لكن ما يميز الحظر المرتقب من الجانب الأمريكي هو أن جميع عمليات تقييد الوصول للتطبيق كانت لا تشكل ثقلاً أو تأثيراً كالذي سيحدثه مشروع القانون الأمريكي, على الأقل كعملية الحظر الهندية بدوافع سياسية بحتة.

أضف إلى ذلك أن التطبيق يحمل أهمية ثقافية كبيرة في الولايات المتحدة حيث تزدهر المنتديات المتخصصة ويعتمده عدد لا يحصى من المبدعين والشركات الصغيرة في تحقيق دخلهم على التطبيق, علاوةً على أنه يقدم نوعاً مختلفاً من النجاح والانتشار عما هو مألوف في منصات التواصل الاجتماعي الأخرى فمعدل الوصول والمشاهدات في التطبيق أعلى مما تحققه باقي المنصات على مستوى الأفراد والمؤثرين, فعلى سبيل المثال, تستخدم منصة إنستغرام بشكل أكبر لنشر محتوى لأغراض استهلاكية من حسابات مؤثرين لديهم متابعون كثيرون, بينما يرتكز TikTok بشكل أكبر على المحتوى الترفيهي للأفراد.



الآن وبعد إقراره وتوقيعه, كيف سيعمل القانون؟

كما ذكرنا آنفاً فإن القانون سيمنح الشركة المالكة للتطبيق فترة 270 يوماً لبيعه لشركة أمريكية وإلا سيتم منع متاجر التطبيقات في الولايات المتحدة من استضافة التطبيق على منصاتها. يمكن تغريم متاجر التطبيقات التي تنتهك التشريع بناءً على عدد مستخدمي التطبيق المحظور, وينص مشروع القانون على غرامات قدرها 5000 دولار لكل مستخدم لتطبيق محظور. لذلك، في حالة TikTok فمن المحتمل أن تتعرض Apple و Google لغرامات تصل إلى 850 مليار دولار لكل منهما.

وعلى الرغم من التعنت الشديد من قبل الشركة, فليس من الواضح ما إذا كانت ByteDance ستوافق على بيع TikTok أو فصله. إذا حدث ذلك، فقد تواجه الشركة صعوبة في العثور على مشتر أمريكي مستعد لدفع المبلغ، على الرغم من شعبية التطبيق فتقدر قيمته نحو 100 مليار دولار بجسب محلل في Wedbush, وبينما سيحظر القانون التطبيق من متاجر التطبيقات الأمريكية فإن إزالة التطبيق الحالي من هواتف المستخدمين ستمثل مهمة أكثر صعوبة من الناحية العملية للمشرعين الذين يسعون إلى حظر استخدامه في الولايات المتحدة, علاوة على ذلك فمن المحتمل أن تتيح خدمات الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) للمستخدمين الأمريكيين الالتفاف على الحظر من خلال جعل الأمر يبدو كما لو أن مستخدماً أمريكياً متصل بالإنترنت من بلد مختلف.

بالرغم من وجود البدائل والمنافسين فإنهم لم يتقنوا خوارزمية التوصية التي تجعل TikTok مغرياً للغاية, إضافةً لأن العديد من المستخدمين يقولون أن نقل جمهوراً كبيراً إلى منصة أخرى هو أمر صعب خصوصاً أن الكثير من المنصات المنافسة تمتلك خططاً مختلفة لتحقيق الدخل لصناع المحتوى مما يجعل الأمر مغرياً لكن ليس بالسهولة التي كان يقدمها ويتبناها TikTok.



الهوامش:
* قام القضاة الفيدراليين في محكمتين منفصلتين بتعليق هذا القرار في سبتمبر وديسمبر 2020, ولم تطعن إدارة ترامب بالقرارين وقتها.

المصادر:




التعليقات

القائمة الرئيسية