الهجرة غير الشرعية .. الدوافع والآثار الإقتصادية
تحتل قضية الهجرة، مكانا بارزا في العلاقة بين البلدان المتقدمة والأخرى النامية فيها، نظرا لارتباطها بالعديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فسوء الأحوال السياسية والاقتصادية يدفع الأفراد للهجرة من الدول النامية إلى تلك المتقدمة.
كما تشكل قضية الهجرة غير الشرعية أخطر القضايا الاجتماعية، التي لا تزال تؤرق المجتمع الدولي، وهي مشكلة شديدة الحساسية لكونها تمس جميع شرائح المجتمع الدولي، بحيث أصبحت الظاهرة لا تقتصر على الشباب بل إلى فئة الإناث، وتعد الهجرة غير الشرعية ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، أو الدول النامية بآسيا كدول الخليج العربي ودول المشرق العربي، وفي أمريكا اللاتينية.
وتظل الهجرة غير الشرعية من المشكلات التي باتت تهدد العديد من الدول، حتى ولو تضاءلت أعداد المهاجرين غير الشرعيين على أراضيها، فنجد مثلا أن نسبة المهاجرين غير الشرعيين لا تزيد عن نسبة 5% من إجمالي الأيدي العاملة في الولايات المتحدة، إلا أن مشاكلهم تؤرق الأمريكيين كثيرا
وللهجرة غير الشرعية العديد من الآثار السلبية، من بينها الآثار الأمنية والسياسية من جراء الهجرة غير الشرعية، ما يهدد سيادة الدول ووجودها الفعلي، كما أن للهجرة آثاراً اقتصادية خاصة لجهة دول الإرسال أكثر من دول الاستقبال، ولا يفوتنا أن نشير أيضا للآثار الاجتماعية الخطيرة المتنوعة المترتبة على الهجرة، ومن بينها حالة إدماج المهاجرين ومدى الصعوبات التي تواجهه والتكيف مع مجتمعهم الجديد في الدول المستقبلة، ويزداد الأمر تعقيدا في حالات الهجرة غير الشرعية، حيث لا يحمل المهاجر السند القانوني لوجوده في الدولة التي هاجر إليها، كما أن المجتمع ينظر إليهم على أنهم لصوص أو متطرفون، ومما يساعد على انتشار هذه النظرة الخطاب الإعلامي لهؤلاء المهاجرين خاصة في الدول الأوروبية حيث يشيع عنهم صورة سيئة تحول دون تواصلهم مع مجتمعات الدولة المستقبلة، حيث يتم الخلط بين الإجرام والهجرة والتطرف خاصة للمهاجرين من أصول عربية وإسلامية.
يقصد بالهجرة انتقال الافراد من منطقة ما الى منطقة أخرى. سواءا كان ذلك داخل حدود الدولة، وهو ما يطلق عليه الهجرة الداخلية، أو الهجرة خارج حدود الدولة وهو ما يطلق عليه الهجرة الخارجية. وقد تتم الهجرة بشكل قانوني، أو قد تتم من خلال تسرب المهاجر الى الدولة المقصودة بطرق غير شرعية، مثل ادعاء الدخول بغرض الزيارة ثم الاستمرار في البقاء داخل الدولة بهدف العمل .وتتم الهجرة الداخلية أساسا من المناطق التي يقل فيها الطلب على العمل الى المناطق التي تتوافر فيها فرص التوظف، أو تتوافر فيها فرص أفضل للمعيشة، ومن ثم فان النمط الغالب للهجرة الداخلية هو من المناطق الريفية الى المدن، ويلاحظ أن الهجرة الداخلية يكون الدافع من وراءها اقتصاديا بالدرجة الأولى
أما في حالة الهجرة الخارجية فقد تكون الدوافع اقتصادية، أو سياسية مثال ذلك حالة اللاجئين والهاربين والمطاردين من قبل النظم الحاكمة في دولهم، أو قد يكون الدافع علميا، من خلال سعي الفرد الى فرص تعليمية أفضل أو فرص للبحث أفضل من تلك المتوافرة له في دولته. وغالبا ما يطلق على الهجرة من هذا النوع الاخير لفظ "نزيف العقول"Brain Drain"
أما عن البعد الزمني للهجرة، فقد تتم الهجرة بشكل مؤقت وذلك حينما ينوي المهاجر الاقامة في المهجر لمدة مؤقتة ثم العودة مرة أخرى الى الوطن، أو قد تكون الهجرة دائمة حينما لا ينوي المهاجر العودة مرة أخرى الى بلده الأصلي.
وهنا نقف أمام سؤال مهم جدا لماذا يهاجر السكان؟
تعد نظرية عوامل الجذب وعوامل الطرد من أكثر النظريات شيوعا في تحليل الاسباب التي تدفع بالافراد الى الهجرة. وتقوم النظرية ببساطة على أن الناس تهاجر لان هناك عوامل طاردة لهم من موطنهم الاصلي، أو أن هناك عوامل جاذبة لهم في المنطقة المضيفة. ولقد وضع فكرة النظرية رافنشتاين عام 1889 الذي قام بتحليل بيانات الهجرة في انجلترا وويلز والذي استنتج أن عوامل الجذب عادة ما تكون أكثر أهمية من عوامل الطرد في تحديد قرار الهجرة، إذ أن الرغبة في تحسين المستوى المادي للفرد تكون أقوى من الرغبة في الهروب من وضع سئ في الموطن الاصلي للمهاجر. ولعلنا الآن نتذكر ما قاله ديفز في معرض حديثة عن أسباب انخفاض الخصوبة في أن الرغبة في الارتقاء بالمستوى المادي للفرد وليس الرغبة في الهروب من الفقر، هي التي تدفع بالفرد الى تحديد مستوى الخصوبة.
ومما لاشك فيه أن مجرد وجود العوامل الطاردة في الموطن الاصل لن يدفع بالفرد الى الهجرة الا أذا كان لديه علم بأن هناك فرص أفضل له في مكان آخر. على أن قرار المهاجر بالهجرة يعتمد على عملية حساب للتكلفة والعائد من عملية الهجرة، حيث يقوم المهاجر بوزن عوامل الجذب والطرد، ثم يتخذ القرار بالهجرة إذا كانت المنافع المولدة من عملية الهجرة تتعدى التكلفة المتصلة بها، على سبيل المثال فان قرار المهاجر بترك وظيفته، ومكانته في العمل لانتهاز فرصة وظيفية أفضل في البلد المضيف يتضمن عملية مقارنة بين العائد الذي يحصل عليه من الوظيفة الجديدة وبين المكانة الأعلى في العمل، والتكلفة التي يتحملها بانتزاع نفسه وأسرته من موطنه الاصلي وترك منزله، ومجتمعه الذي اعتاد الحياة فيه واصدقائه الذين اعتاد أن يكون بينهم. ومن الناحية الواقعية فان قرار المهاجر بالهجرة لا يأتي فجأة، وانما يتم خلال فترة زمنية طويلة نسبيا تبدأ من ظهور الرغبة لدى المهاجر بالهجرة، والوقت الذي يتوقع المهاجر أن يهاجر فيه، وأخيرا التوقيت الفعلي لهجرته، وعلى كل الاحوال فدائما تعتبر العوامل الاقتصادية مسئولة في المقام الأول عن الهجرة، فالدراسات التطبيقية عن الهجرة تشير الى أن العاطلين، والعمال الذين لا يشعرون بالرضاء عن وظائفهم هم غالبا الافراد الذين يميلون للهجرة.
ومن الدوافع الإقتصادية الذين يميلون اليها الافراد للهجره يعد في البحث عن الرزق لتوفير حياة آمنة رغدة من أول الدوافع وأهمها، إذ يؤدي بالمهاجرين إلى ترك أوطانهم وهجرتهم إلى أي من الدول التي يجدون بها فرص العمل لكسب الرزق، ويرتبط إلى حد كبير الوضع الاقتصادي في معظم الدول المرسلة للمهاجرين بالوضع الديموغرافي فيها، إذ يرتفع معدل النمو السكاني بصورة تواكب النمو في الدخل القومي، ما يؤدي إلى عجز الدولة عن الوفاء بمتطلبات هذه الأعداد السكانية المتزايدة فينخفض مستوى المعيشة ويدفع بالكثيرين إلى البحث عن فرص عمل أفضل في مكان أو دول أخرى، وخاصة فئة الشباب المتعطل عن العمل الذي يسعى إلى تكوين الحياة الأسرية، في ظل تنامي معدلات البطالة
وترتبط العوامل الاقتصادية إلى حد كبير بالعوامل الاجتماعية والتحولات المجتمعية التي تمر بها معظم دول العالم النامي تحديداً، حيث تحمل تلك التحولات تزايد الاختناقات الاقتصادية والاجتماعية، وتصاعد الضغوط التضخمية وانخفاض مستوى المعيشة، وتفاقم الأزمات في مجالات الإسكان والمرافق؛ لذا أضحت الهجرة للعمل عملية ضرورية. وتجذب قطاعات واسعة من المواطنين وقد أكدت الدراسات العديدة في مجال الهجرة أن حجم الهجرة في المجتمع يختلف أو يتأثر بتقلبات النظام الاقتصادي، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات أهمها: إلى أي مدى تتزايد معدلات الهجرة أو تتناقص خلال فترات النمو الاقتصادي؟ وبالعكس أيضا إلى أي مدى تتزايد معدلات الهجرة أو تتناقص خلال فترات الكساد الاقتصادي؟ وانتهت تلك الدراسات إلى أن الهجرة ترتفع معدلاتها ويزداد حجمها خلال فترات الازدهار والانتعاش الاقتصادي والعكس بالعكس.
ويفسر ذلك بأنه في فترات الازدهار الاقتصادي تتزايد مشروعات الأعمال وتحدث عمليات توسع صناعي، الأمر الذي يتطلب أعدادا متزايدة من الأيدي العاملة الجديدة محلياً ويجدر القول بأن الهجرة والتنمية الاقتصادية مترابطتان على نحو وثيق، كما أن الافتقار إلى التنمية والديمقراطية في أنحاء من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وسجلها الاقتصادي الهزيل، والطابع الشمولي الذي تتسم به بعض أنظمة الحكم، وانتهاك الحقوق السياسية وعدم احترام حقوق الإنسان: هي كلها ظواهر تم تحديدها على نطاق واسع بأنها مصادر لانعدام الاستقرار السياسي والعنف والتطرف، فضلا على أن بعض البلدان في هذا الجزء من العالم تعاني الفساد البنيوي على المستويات الاقتصادية والسياسية.قد يثير انتباهك أيضاً:
- مجموعة بريكس ... ما هو مستقبل الدولار الأمريكي بعد توسعها؟
- اقتصاد كأس العالم .. ليست مجرد مباراة فحسب!
- الجمعة السوداء أو Black Friday ... أنفق كل ما ادخرته في هذا اليوم, ولكن؟
- الاقتصاد الإسلامي وعلاجه لتداعيات جائحة كورونا ... هل هو الحل؟ (مقال رأي)
- الضريبة الوردية .. الرجال معفيين منها بلا شك!
- اقتصاد سنغافورة والتجربة السنغافورية .. ماذا ينقصنا؟
التعليقات