في طريق التنمية ... الفقر في الوطن العربي
هو الداء العُضال الذى لطالما فشلت أعتى الخطط التنموية العربية في الشفاء منه وتجاوزه، هو العدو الاول للتنمية البشرية والمتناسب معها عكسياً في طريق التنمية الاقتصادية، هو مانع النهضة، إنه الفقر.
يمتلك الفقر بُعداً كونياً فهو يتغذي على السياسات الاقتصادية المتبعة لتحقيق التنمية فيما يخص الدعم وارتفاع الاسعار وآليات التجارة الدولية، وهو ما يجعل كل الخطوات المبذولة في هذه الابعاد بشكل غير مدروس تُشكل خطأً يزيد من الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وتضعف القدرة الشرائية لدي العديد من الفئات وهو ما يُفسد ظروف المعيشة.
ولذلك أصبحت مواجهة الفقر توجه دولي وهدف عالمي يندرج ضمن برامج التنمية التي تتبناها الامم المتحدة وذلك لتقليص دائرة الفقر والتي يتضح من تقرير البنك الدولي الاخير أنها مستمرة في الاتساع بشكل مُطرد ليصل عدد الفقراء في العالم إلي ملياري نسمة على مستوى العالم في العام الجاري. وفي هذا السياق فإن كل دولة تتفاعل مع هذه المشكلة العُضال وتتصدي لها بسياسات وخصوصيات تتفق مع ظروف البيئة الخاصة بها ومستواها بالاضافه الي حجم الموارد والقدرات البشريه المتاحة لها.
الحقيقة المؤكدة عن المنطقة العربية أنها أكثر ثراءً منها نمواً وأن هناك فجوة بين ثروات المنطقة من جهة ومستوي التنمية الاقتصادية من جهة أخرى، فبالرُغم مما تتبناه الدول العربية من سياسات وخطط لمكافحة الفقر على المستوي العربي وسُبل تشجيع الاستثمار في الدول المتوسطة والمنخفضة الدخل، إلا ان هذه الاماني تتحطم علي صخرة الفقر الضاربة في اعماق المشكلة الاقتصادية، فما يوضحه التقرير الانمائي للامم المتحدة لعام 2016 يظهر مدى فشل السياسات العربية تباعاً في مواجهة مشكلة الفقر، وقد جاءت النسب من التقرير علي سبيل الذكر لاالحصر كالتالي:
(الأردن 14% — مصر 28.6% — ليبيا 30.2% — تونس 15.5% — الجزائر 23% — المغرب 15% — موريتانيا 46% — السودان 50% — جيبوتي 23% — اليمن 54% — لبنان 26.6% — فلسطين 25% — الصومال 73%)
ولكن لماذا ؟ لماذا تقف المنطقة العربية عاجزة أمام الفقر رُغم المحاولات العديدة؟
الفقر وجه من أوجه التخلف الاقتصادي، والتخلف الاقتصادى هو حلقة مفرغةً في إطارها، التخلف الاقتصادى يُمثل بيئة خصبة لنمو وتشبُع ظاهرة الفقر، فالنمو ليس رقماً مُجوفًا دورياً نتابع تطوره كل عام بل هو واقع ملموس يستشعره المواطن في حياته اليومية في مأكلٍ وملبسٍ وتعليم، فما هو حال مواطنٍ في بلدٍ تستورد السلع الغذائية مما يرفع اسعارها ويحرم المنتج المحلي من القدرة التنافسية مما يخلق مزيداً من البطاله؟
حتى مع وجود معدل مطرد للنمو ما لم يمس هذا النمو مُسببات الفقر بالتغيير فإن هذا المواطن سيظل موصوماً بالفقر.
إن لفظ الفقر يحمل في دلالاته سوء تغذية وضعف بنية تعليمية وبطاله وعشوئيات وفساد لذلك فُهو يُمثل الصورة الحقيقية للقرارات العشوائية الفاشلة في إدارة اولويات التنمية الاقتصادية، لذلك توصي الامم المتحدة بشكل عاجل في المنطفة العربية الي ضرورة التصدي للفقر من خلال زيادة الانفاق علي القطاعات الاساسية التي تُمثل الامن الغذائي والاسكان والصحة.
اجمالاً، يعود الفقر في الدول العربية إالي تفشي الفساد وغياب النزاهة في جميع مستويات الدولة مع عجز السياسات التنموية في تحقيق طفرة نوعية في الحياة اليومية للمواطنين وخاصةً أن أغلب دخول الدول العربية تذهب لمجالات الامن والدفاع علي حساب التنمية الاقتصادية، ناهيك عن ضعف المورد البشري الذي يستلزم في تكوينه بكفاءة عالية أن تكون البيئة المحيطة به مُساعدة او على قدر الكفاءة المطلوبة.
وتبدو الدول العربية في حاجة ماسة إلي إعادة صياغة أدوارها بشكل تفاعلي بين القطاعات الانتاجية الثلاث وهي القطاع الخاص والقطاع العام والمجتمع المدني، فأغلبية الدول العربية كانت تعتمد على التخطيط المركزي وما إن دخلت فكرة الخصخصة في الاُطروحة الانمائية حتى قررت الدول ترك الساحة الانتاجية بشكل شبة كامل للقطاع الخاص في كافة السياسات التشغيلية دون فرض نوع من الرقابة والمشاركة في العملية الانتاجية لمجابهة الفقر.
اخيراً, لابد للدول من وضع استراتيجيات قصيرة وطويلة الأجل من أجل الحد من تمدد ظاهرة الفقر في مزيد من الطبقات الاجتماعية ومن ثم الإجهاز والقضاء عليه؛ ففي اأاجل القصير لابد أن تكون هناك ارادة حقيقية من ركني الدولة السلطة والشعب، إرادة واعية بضرورة التكاتف للقضاء علي تربة نمو الفقر وذلك من خلال المشروعات الصغيرة، فتتولى الدولة عملية التمويل وتوفير الاسواق والرقابة التشغيلية غير المباشرة، ويتولى الشعب تنفيذ الافكار الابداعية للمشروعات الصغيرة واقعياً بشكل يلتقي مع متطلبات السوق المحلي وتوفير المورد البشري.
أما في الأجل الطويل فلابد من الالتزام الكامل بكافة الاليات من الدولة بأخذ المساعي الجاده تجاه القضاء علي الفقر، واتباع التدريج المناسب في القرارات التي تتعلق بشكل مباشر بمعيشة المواطن مثل إلغاء الدعم او زيادة الضرائب، كما انه لابد من جدولة آليات الميزانيات الحكومية وسُبل الانفاق بما يحقق التوازن التدريجي بين المناطق الفقيرة والمناطق الغنية سواءً بسواء، وجود تكنولوجيا محلية تكون كثيفة العمالة لتتكيف مع وضع البطالة المزمن باستخدام كفء للطاقة.
المصادر :
(1) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، القضاء على الفقر، 2016
(2) التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2017
(3) عبدالهادي يموت . الفقر ظاهرة اقتصادية اجتماعية مقلقة هل سلمت منها الدول العربية؟. مجلة الدفاع الوطني . العدد 64 . نيسان 2009
(4) لماذا فشلت سياسات مكافحة الفقر في المنطقة العربية؟ . BBCArabic . الاثنين، 21 يناير/ كانون الثاني، 2013 .
قد يثير انتباهك أيضاً:
- مجموعة بريكس ... ما هو مستقبل الدولار الأمريكي بعد توسعها؟
- اقتصاد كأس العالم .. ليست مجرد مباراة فحسب!
- الجمعة السوداء أو Black Friday ... أنفق كل ما ادخرته في هذا اليوم, ولكن؟
- الاقتصاد الإسلامي وعلاجه لتداعيات جائحة كورونا ... هل هو الحل؟ (مقال رأي)
- الضريبة الوردية .. الرجال معفيين منها بلا شك!
- اقتصاد سنغافورة والتجربة السنغافورية .. ماذا ينقصنا؟
التعليقات